فصل: سنة ست وعشرين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة:

قدم على قضاء الشام جمال الدين الزرعي، فولي بعده تدريس المنصورية السبكي.
وأمسك الكريم المسلماني وكيل السلطان، وزالت سعادته التي كان يضرب بها المثل. وولي نظر الجيش بدمشق المعتز بن حشيش.
وعزل قطب الدين السلامي ثم أشرك بينهما. وكان على نظر طرابلس أمين الملك، فاستعفى وأقام بالقدس مديدة، ثم طلب في هذا الحين. وولي وزارة مصر. وقدمت عمة قازان للحج فعظمت وأنزلت بالقصر الأبلق.
ومات مؤرخ الآفاق، العالم المتكلم، كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد ابن محمد بن أحمد الشيباني البغدادي ابن الفوطي، في المحرم عن إحدى وثمانين سنة. وله تصانيف كثيرة وتواريخ كبار. روى عن الصاحب محيي الدين بن الجوزي، وابن أبي الدينة، وخلق. وطلب وكتب، وخطه فائق ونظمه رائق، وله هناتٌ وبوائق، والله يسمح له.
ومات بدمشق في ربيع الأول قاضي دمشق ورئيسها الكامل نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن حسن بن صصرى التغلبي الشافعي.
وولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة. سمع أباه، وعميه، وابن عبد الدائم. وحضر بمصر على الرشيد العطار. وأفتى ودرس. وله النظم والترسل، والخط المنسوب، والدروس الطويلة، والفصاحة، وحسن الشارة والمكارم، مع دينٍ وحسن سريرة. ولي القضاء إحدى وعشرين سنة.
ومات بقاسيون الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي، ويعرف بابن سعفور ويلقب بعمى. توفي في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة. سمع من المرسي حضوراً، ومن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا وطائفة. وأجاز له السبط، وكان خيراً، كيساً، متعففاً، منقطعاً.
ومات كبير المتمولين بدمشق شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة الزرعي، عن ثمانين سنة. ودفن بتربة مليحةٍ بطريق القابون. بلغت زكاته في عام قازان خمسة وعشرين ألفاً، وفي دولة الظاهر كان رأس ماله ألف درهم.
ومات ببعلبك الرئيس جمال الدين عمر بن الياس بن الرشيد وله مائة سنة وسنة.
ومات بدمشق بالمارستان الإمام المحدث اللغوي صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم الدمشقي ثم القرافي الصوفي، في جمادى الآخرة، وله ست وسبعون سنة. سمع الكثير وكتب وتعب واشتهر، وحدث عن النجيب، والكمال بن عبد. وحفظ التنبيه. وحصل له لبسٌ فكان إذا خلا تحدث وصيح، فإذا خالسته سكن، مع دين وتصون ومعرفة.
ومات مسند الشام بهاء الدين القاسم بن مظفر بن النجم محمود ابن تاج الأمناء بن عساكر، في شعبان، عن أربع وتسعين سنة ونصف. حضر في سنة تسع وعشرين على مشهور النيرباني، وحضر ابن غسان، وكريمة، وعبد الرحيم بن عساكر، وابن المقير، وسمع من ابن اللتي وجماعة. وأجاز له مشايخ البلاد، وبلغ معجمه سبع مجلدات، وألحق الصغار بالكبار، ووقف أماكن على المحدثين. وكان طبيباً.
ومات الأمير الصاحب الوزير نجم الدين محمد بن عثمان بن الصفي البصروي الحنفي كهلاً ببصرى. ولي الحسبة، ثم الخزانة، ثم الوزارة، ثم الإمرة. ودرس أولاً بمدارس بصرى. وكان مقدم خيول عربية، فتقدم بذلك.
ومات بصفد خطيبها وعالمها نجم الدين حسن بن محمد الصفدي. وله تواليف، وتقدم في الأدب والمعقول. توفي في رمضان، من أبناء الثمانين.
ومات بالمزة ليلة عرفة مسند الوقت، شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن مميل الشيرازي الدمشقي. عن أربع وتسعين سنة وشهرين. سمع من جده القاضي أبي نصر، والسخاوي وجماعة، وبمصر من العلم ابن الصابوني، وابن قميرة، وأجاز له أبو عبد الله بن الزبيدي، والحسن بن السيد، وقاضي حلب ابن شداد وخلق. وله مشيخةٌ وعوال. وروى الكثير. وكان ساكناً وقوراً منقبضاً عن الناس. له كفايةٌ. وكبر سنه وأكثر ولم يختلط.

.سنة أربع وعشرين وسبعمائة:

كان الغلاء بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياماً. ثم جلب القمح من مصر بإلزام السلطان لأمرائه، فنزل إلى مائة وعشرين درهماً، ثم بقي أشهراً ونزل السعر بعد شدة.
وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني. وكان على الغرارة ثلاثة ونصف. وعزل الزرعي عن القضاء بالقزويني بعد أن ألح الدولة على الشيخ برهان الدين الفزاري فامتنع وصمم.
وقدم ملك التكرور موسى بن أبي بكر الأسود في ألوف من قومه للحج، فنزل سعر الذهب درهمين. ودخل إلى السلطان فسلم ولم يجلس، ثم أركب حصاناً بزنارين أطلس، وأهدى هو إلى السلطان أربعين ألف دينار، وإلى نائبه عشرة آلاف، وهو شاب عاقل حسن الشكل، راغبٌ في العلم، مالكي. وولي قضاء حلب شيخنا ابن الزملكاني.
ومات بالثغر الشيخ ركي الدين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشاهد، ابن جابي الأحباس في صفر عن خمس وثمانين سنة. تفرد عن السبط بجزء سفيان، وبالدعاء للمحاملي ومشيخته.
ومات بمصر المفتي الإمام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل البكري الشافعي كهلاً، وهو الذي آذى ابن تيمية، والذي طرده السلطان وأراد قطع يده لفتاويه، وذم المنكر، فتنقل بأعمال مصر.
ومات بدمشق العدل المعمر القاضي شمس الدين أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي، في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة. سمع من ابن الصلاح من سنن البيهقي.
ومات الشيخ الزاهد محمد ابن المفتي جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الضال الذي حكم بضرب عنقه القاضي المالكي مرة بعد أخرى، ثم انسحب إلى مصر وإلى بغداد، ثم قدم متخفياً وسكن القابون. وكان فقيهاً بالمدارس، ثم حصل له كشف شيطاني فضل به جماعة. وكان يتنقض الأنبياء ويتفوه بعظائم، وعاش ستين سنة. انقلع في ربيع الآخر.
ومات أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنا بسلمية، ودفن عند أبيه. وكان عاقلاً نبيلاً فيه خير عاش نيفاً وستين سنة، وهو أخو مهنا.
ومات قاضي حلب زين الدين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري وله سبعون سنة. ولي حلب نيفاً وعشرين سنة. وقبلها ولي بعلبك، ونائب دمشق، وولي حمص. وكان مسمتاً مليح الشكل.
ومات وزير الشرق علي شاه أبي بكر التبريزي في جمادى الآخرة بأرجان وقد شاخ. وكان سنياً معظماً لصاحب مصر محباً فيه.
ومات الإمام شرف الدين محمد بن الإمام زين الدين المنجا بن عثمان التنوخي، مدرس المسمارية عن خمسين سنة. وكان ديناً صيناً فاضلاً.
ومات مخنوقاً الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطي المسلماني بأسوان. وكان نفي إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، ثم شنق سراً. وكان هو الكل، وإليه العقد والحل، وبلغ من الرتبة ما لا مزيد عليه. وجمع أموالاً عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان. وكان عاقلاً داهيةً، سمحاً وقوراً. مرض نوبة فزينت مصر لعافيته. وكان يعظم الدينين، وله برٌ وإيثار، قارب سبعين سنة.
ومات في ذي الحجة بدمشق المفتي الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار الشافعي، ويلقب بمختصر النووي عن سبعين سنة. سمع ابن عبد الدايم. وابن أبي اليسر، وخرجت لهما معجماً. وأصابه فالج أزيد من عشرين سنة. وله فضائل وتأله وأتباع. وكان شيخ النورية.

.سنة خمس وعشرين وسبعمائة:

في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار. وعمل في سد السكور كل أحدٍ، ودثرت الحواضر، وغرق أممٌ من الفلاحين، وعظمت الاستغاثة بالله، ودام خمس ليال، وعملت سكورة فوق الأسوار. ولولا ذلك لغرق جميع البلد، وليس الخبر كالعيان. وقيل:تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صح هذا عندنا. وجر السيل أخشاباً كباراً، وحيات غريبة الشكل صعد بعضها في النخل. ولما نضب الماء نبت على الأرض شكل بطيخ كطعم القثاء.
وقدم دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني المتكلم المصنف، وله ستون سنة.
وسار من مصر نحو ألفي فارس نجدة لصاحب اليمن. وضرب بمصر الشهاب بن مري التيمي المذكور، وسجن ثم نفي لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله، ومقت لذلك، ثم فر إلى أرض الجزيرة وأقام هناك سنين.
ورجع ملك التكرور موسى فخلع عليه السلطان خلعة الملك، عمامة مدورة، وجبة سوداء، وسيفاً مذهباً. وعملت خانقاه سلطانية بسرياقوس وحضر السلطان والقضاة، ووليها المجد الأقصرائي.
ولم يثبت عيد الفطر إلى قبيل الظهر بدمشق فصلى العيد خطيب العقيبة، ثم صلى الظهر، ثم صلاها خطيب البلد من الغد بالبلد، ولم يخرج إلى المصلى بل بعث الشمس النجار فخطب بالمصلى.
ومات بدمشق المحدث كاتب الحكم، علاء الدين علي بن النصير محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي عن ثمانين سنة. روى عن الكمال الضرير الشاطبية، وعن ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وطلب، وكتب، وتفقه، وشارك في العلم، وتميز في الشروط.
ومات الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس، وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر. وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح.
ومات بمصر الإمام شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق المصري الشافعي الخطيب ابن الصايغ، في صفر، وله ثمان وثمانون سنة. تلا بالسبع على الكمالين الضرير وابن فارس، واشتهر وأخذ عنه خلق. ورحل إليه. وكان ذا دين، وخير، وفضيلة، ومشاركات قوية.
ومات بدمشق في ربيع الأول المعمر الشيخ عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي سبط اليلداني عن خمس وثمانين سنة. سمع من جده كثيراً، والرشيد العراقي، وابن خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ الحموي. وأجاز له الضياء والسخاوي. سمع منه نائب السلطنة الآثار للطحاوي، ووصله ورتب له درهماً، ثم أضر وعجز.
ومات واقف الخان المشهور خطاب بن محمود العراقي الأمير بدمشق.
ومات الإمام المحدث نور الدين علي بن جابر الهامشي اليمني الشافعي، شيخ الحديث بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة. حدث عن زكي البيلقاني وعرض عليه الوجيز للغزالي. وله مشاركات وشهرة.
ومات علامة الأدب علم البلاغيين شهاب الدين محمود بن سلمان بن فهد الحلبي كاتب السر بدمشق، في شعبان عن إحدى وثمانين سنة، وصلى عليه ملك الأمراء. أجاز له ابن خليل، وحدث عن ابن البرهان، ويحيى بن الحنبلي، وابن مالك. خدم بالإنشاء نحواً من خمسين سنة. وكان يكتب التقاليد على البديهة. وولى بعده ابنه شمس الدين.
ومات بالكرك قاضيها العلامة الورع نور الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الأميوطي الشافعي. حكم بالكرك نحواً من ثلاثين سنة، وتفقه به الطلبة. وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره. وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس.
ومات بدمشق شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة. روى كثيراً عن ابن خليل، وعن عيسى الخياط، والضياء صقر، وعدة. وطلب الحديث، وحصل أصولاً بمروياته. وخرج له ابن المهندس معجماً قرأته. وكان لا بأس به.
ومات كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدين بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار صاحب التاريخ الكبير، ورأس الميسرة، ونائب مصر أرغون. بلغ الثمانين. توفي في رمضان بمصر.
ومات بدمشق في ذي القعدة الإمام شيخ الإسلام بقية الفقهاء الزهاد خطيب العقيبة صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل الهاشمي الجعفري الحوراني الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة. تفقه بالشيخين محيي الدين وتاج الدين، وناب عن ابن صصرى، وبينه وبين جعفر الطيار ثرثة عشر أباً والله أعلم. وكان متزهداً في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله، وفيه تواضعٌ وتركٌ للرياسة والتصنع، وفراغٌ عن الرعونات، وسماحةٌ، ومروءة، ورفق. شيعه الخلق، وحمل على الرؤوس. وكان لا يدخل حماماً. حدث عن ابن أبي اليسر، والمقداد. وكان عارفاً بالفقه، وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنده، وإلى خصم فقير، وربما نزل في طريق داريا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة، رحمه الله.

.سنة ست وعشرين وسبعمائة:

ضربت عنق الفقيه المقرىء ناصر بن الهيتي الصالحي على الزندقة الواضحة، وفرح المسلمون. وكان من أبناء الستين.
ثم ضربت عنق توما الراهب الذي أسلم من ثلاث سنين وارتد سراً، ثم أفشى ذلك عند المالكي وأحرق ولم يتكهل. وهو بعلبكي.
وسار المحمدي رسولاً إلى أبي سعيد القآن. ونقل قرطاي من نيابة طرابلس إلى خبز القرماني الذي أمسك. وولي طرابلس طينال الحاجب.
وفي شعبان أخذ ابن تيمية وحبس بالقلعة في قاعةٍ ومعه أخوه عبد الرحمن يؤنسه، وعزروا جماعة من أصحابه. ووصل الماء الجاري إلى مكة من مال جوبان نائب التتار.
وأنشئت قيسارية الدهشة بسوق علي وسكنها أعيان التجار.
ومات في المحرم الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن علي بن السكاكري الشاهد. وكان رأساً في كتابة الشروط، وفيه شهامة، وحط على الكبار. ولكنه كان يتحرز في الشهادة. من أبناء الثمانين. ساء ذهنه بأخرة. أجاز له عبد العزيز بن الزبيدي، وهبة الله بن الواعظ، والتستري وعدة. وسمع من ابن عبد الدايم وجماعة.
ومات المعمر كبير السادة ناصر الدين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة. وكان رئيساً وسيماً. حدث عن الخطيب مردا. وذكر للنقابة.
ومات خطيب المدينة وقاضيها المفتي سراج الدين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري الشافعي عن تسعين سنة. حدث عن الرشيد العطار، وأجازه الشرف المرسي والمنذري. وتفقه بابن عبد السلام قليلاً، ثم بالسديد التزمنتي، والنصير بن الطباخ. وخطب بالمدينة أربعين سنة، ثم سافر إلى مصر ليتداوى فأدركه الموت بالسويس.
ومات بمصر القاضي الإمام كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري الشافعي عن إحدى وسبعين سنة. حدث عن النجيب وطائفة. قرأ عليه ولده الإمام نور الدين صحيح البخاري. وله عليه حواشٍ بخطه المنسوب. رثاه صاحبنا أبو بكر الرحبي. توفي في المحرم.
ومات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه محمد اليونيني صاحب التاريخ، عن ست وثمانين سنة وأشهر. حدث عن أبيه وشيخ الشيوخ، والرشيد العطار، وأبي بكر بن مكارم، وجماعة.
وأجاز له ابن رواج وجماعة. وكان وافر الحرمة، له عقلٌ ورأي وذكاء. توفي في شوال.
ومات بدمشق المقرىء المدرس الإمام زين الدين أبو بكر بن يوسف المزي بن الحريري الشافعي في ربيع الأول عن ثمانين سنة. كان كيس الجملة، عالماً، متواضعاً، مقرئاً بالسبع. أخذ عن الزواوي. وحفظ الفقه والنحو، وحدث عن خطيب مردا. والبكري، وابن عبد الدايم، وله جهات.
وماتت المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم ابن علي بن الواسطي الصالحية في ربيع الآخر، عن ثلاث وتسعين سنة. سمعت جزء ابن عرفة من عبد الحق حضوراً. وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره وأجاز لها جعفر الهمذاني، وكريمة، وأحمد بن المعز، وابن القسطي، وعدد كثير. وكانت مباركة صالحة، روت الكثير. وهي والدة فاطمة بنت الدباهي.
ومات بالحلة شيخها العلامة المتفنن جمال الدين حسين بن يوسف ابن المطهر الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، من أبناء الثمانين بل أزيد.
ومات الخطيب المسند تقي الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة. سمع من خطيب مردا السيرة في الخامسة. وسمع من اليلداني، والبكري، ومحمد بن عبد الهادي حضوراً. ومن إبراهيم بن خليل. وأجاز له السبط وجماعة. وكان يخطب جيداً بالجامع المظفري.
ومات الزاهد الكبير الشيخ حماد التاجر ابن القطان بالعقيبة، وحمل على الرؤوس. وكان يقرىء القرآن، ويحكي عجائب عن الفقراء، وفيه زهدٌ وتعفف. ويحضر السماع ويصيح. وله وقع في القلوب. عاش ستاً وتسعين سنة.
ومات مفتي العراق جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن البتي الحنبلي- أحد الأذكياء- كهلاً. تخرج به الفضلاء في فنون.
ومات بشوال في قاسيون العالم المسند شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء بن الزراد الصالحي، عن ثمانين سنة. روى شيئاً كثيراً. وتفرد. خرجت له مشيخة. روى عن البخلي، ومحمد بن عبد الهادي، واليلداني، وخطيب مردا، زوالبكري، وكان يروي المسند، والسيرة، ومسند أبي عوانة، والأنواع والتقاسيم، ومسند أبي يعلى، وأشياء. افتقر، واحتاج، وتغير ذهنه، واختلط قبل موته بعام أو أكثر.
ومات بالمدينة الإمام الزاهد التقي قاضي الحنابلة شمس الدين محمد بن مسلم بن مالك الصالحي، في ذي القعدة عن أربع وستين سنة وأشهر. وكان من قضاة العدل، بصيراً بمذهبه، عارفاً بالعربية، كبير القدر، ولى إحدى عشرة سنة، وحج ثلاثاً، وفي الرابعة أدركه أجله. ومولده في صفر أو في ربيع الأول سنة اثنتين وستين. روى عن ابن عبد الدايم حضوراً، وطلب بنفسه، وقرأ وكتب بعد الثمانين، ومحاسنه جمة، رحمه الله.

.سنة سبع وعشرين وسبعمائة:

نقل قاضي حمص ابن النقيب إلى قضاء طرابلس، وقاضيها ناصر الدين الزرعي إلى قضاء حمص. وحاصر ودي بن جماز المدينة جمعة. ودخلوا وأحرقوا بابها وأسروا غلمان صاحبها كبيش، وهرب أخوه طفيل وابنه، وقتلوا القاضي هاشم بن علي العلوي، وعبد الله بن العابد.
ودخل الأمير قوصون بابنة للسلطان. وفي رجب كائنة الإسكندرية:ضرب رجلٌ أفرنجياً عند باب البحر فأنهى الحال إلى أيدها الكركري، فركب وأمر بغلق الأبواب، ودخل الليلي على الناس. فمشى كبراء إلى الأمير في فتح الباب لهم ففتحه بعد العشاء، وخرجت الرماة، ثم انعصر الخلق في الباب، وجذبت السيوف، وخطفت العمائم، ومات نحو عشرة من الرضى. فلما أصبحوا وخرج الأمير إلى الجمعة رجم، فعاد إلى بيته فجاءوا بقش وأحرقوا الباب وأخرجوا أهل الحبس، ووقع النهب في دارين أو ثلاثة لأعوان الوالي. فبطق الأمير إلى مصر وغوث، فتنمر السلطان واعتقد أنهم أخرجوا أمراء من سجنهم، فأمر ببذل السيف في الإسكندرية وهدمها، وجهز أربعة أمراء منهم الوزير الجمالي، فجاء وطلب قاضي البلد ونائبه وأهانهم، فقال نائبه:وهو التنيسي ما يلزمنا، فلا تهن الشرع. فضربه كثيراً، وطلب التجار وسبهم وأخذ منهم أموالاً عظيمة، ووسط ثلاثين نفساً، واختبط البلد، وصودر الكل حتى افتقر عددٌ كثير.
وطلب قاضي حلب ابن الزملكاني إلى مصر ليولى قضاء دمشق فمات ببلبيس.
وعرض قضاء دمشق على أبي اليسر بن الصايغ، وجاءه التشريف فصمم وامتنع وبكى، فأعفي مكرماً. ثم قدم على المنصب الشيخ علاء الدين علي ابن اسماعيل القونوي ثم بعده ابن الزملكاني المذكور. وجاء يوم الأضحى على بلبيس سيل عظيم وقاسوا شدة.
ومات في المحرم المعمر شمس الدين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم الصالحي عن اثنتين وتسعين سنة. وسمع من عبد الحق حضوراً، ومن ابن قميرة، والمرسي، واليلداني، وأجاز له الضياء الحافظ، وابن يعيش النحوي. وروى جملة وتفرد.
ومات بمصر في المحرم النور علي بن عمر بن أبي بكر الواني الصوفي، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع من ابن رواج، والسبط، والمرسي. وتفرد بعوال. وكان ديناً، خيراً. أضر ثم أبصر.
ومات بالثغر الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد ابن أحمد بن محمد الهنتاتي المغربي، ويعرف باللحياني، عن بضع وثمانين سنة. وقد وزر أبوه لابن عمه المستنصر بتونس مدة. اشتغل زكريا في الفقه، والنحو فسرع فيه. وتملك تونس. وحج سنة تسع وسبعمائة، ورجع فبايعوه في سنة إحدى عشرة، ولقبوه بالقائم بأمر الله، فاستمر سبع سنين. ثم تحول إلى طرابلس المغرب، وأخذت منه تونس، فتوجه إلى الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين فسكنها. وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم- أعني ابن تومرت- من الخطب.
ومات بدمشق الرئيس العابد الأمين ضياء الدين إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي الكاتب، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع عثمان بن خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ. وكان ذا حظ من قيام، وصيام، وإطعام، وإيثار تام. توفي في صفر. وكان بصيراً بالحساب، شارف الجامع مدة والخزانة.
ومات المفتي الزاهد القدوة شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، في جمادى الأولى عن إحدى وستين سنة. وشيعه الخلق. روى عن ابن أبي اليسر حضوراً. وسمع المسند، والكتب الستة، وأشياء.
ومات الملك الكامل الأمير ناصر الدين محمد بن السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل في جمادى الآخرة عن أربع وسبعين سنة. وأعطي خبزه لولده الملك صلاح الدين. ثنا عن ابن عبد الدايم.
ومات بدمشق قاضي الحنفية صدر الدين علي بن الصفي أبي القاسم ابن محمد البصروي في شعبان ببستانه عن خمسٍ وثمانين سنة. ثنا عن ابن عبد الدايم. وكان رأساً في المذهب، مليح الشارة، كثير النعمة، حكم بدمشق عشرين سنة، وأوصى بثلث ماله صدقة. وولي بعده ابن الطرسوسي.
ومات في سادس عشر شهر رمضان ببلبيس العلامة قاضي حلب فخر المجتهدين كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد خطيب زملكا الأنصاري الشافعي، وحمل فدفن بالقرافة. وولد في شوال سنة سبعٍ وستين. أفتى وصنف وتفرد به الأصحاب، وكان سيال الذهن، مليح الشكل، طلب ليشافهه السلطان بقضاء دمشق فأدركه الأجل. تفقه بتاج الدين عبد الرحمن. وحدث عن ابن علان، وابن البخاري ورثاه الشعراء.
ومات بدمشق القاضي الأديب شمس الدين محمد بن الشهاب محمود كاتب السر. وولي القاضي محيي الدين بن فضل الله. توفي في شوال، عن ثمان وخمسين سنة.